بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي اشرف خلق الله
هذه قصةعبد من عباد الله الصالحين، أبوه الخليفة هارون الرشيد ومع ذلك عاش غريبًا ومات غريبًا، بلغ من العمر ست عشرة سنة وقد وافق الزهاد والعباد، كان يخرج إلى المقابر ويقول: قد كنتم قبلنا وقد كنتم تملكون الدنيا، فما أراها منجيتكم وقد صرتم إلى قبوركم. ويبكي بكاءً شديدًا وفي يوم من الأيام دخل القصر وهو يلبس جبة من صوف وفي القصر الخليفة أي أبوه هارون الرشيد والوزراء وكبار الدولة فصاروا يتحدّثون فيما بينهم مستغربين دخوله بهذا الثوب وهو ولد الخليفة، فلما عوتب بذلك أجابهم بأمر عظيم إذ نظر إلى طائر وهو على شرافة من شراريف القصر وقال: أيّها الطائر بحقّ الذي خلقك إلا جئت على يدي فانقض الطائر في الحال على كفه كأنه يقول لهم العبرة أن يكون الإنسان من المرضين عند الله وليست العبرة بالثياب الفاخرة وفارق القصر ولم يتزود بشىء إلا مصحف وخاتم، وصار يعمل مع الفعلة في الطين وكان يعمل عمل عشرة رجال فأدهش صاحب العمل فوقف صاحب العمل يراقبه من بعيد فرءاه يأخذ كفًا من الطين ويضعه على الحائط والحجارة لوحدها يتركب بعضها على بعضٍ، فقال هكذا أولياء الله تعالى معانون فلما حضرته الوفاة ذهب أبو عامر وهو صاحب العمل اليه قال فسلمت عليه وإذا تحت رأسه نصف حجرة وهو في حال ِ الموت قال فسلمت عليه ثانية فعرفني فأخذت رأسه وجعلتها في حجري فمنعني من ذلك وأنشأ يقول :
ياصــاحبي لا تغترر بتنعم ٍ *** فالعمر ينفد والنعيم يزول
وإذا حملت إلى القبور جنازة *** فاعلم بأنك بعدها محمول
ثم قال يا أبا عامر إذا فارقت روحي جسدي فغسلني وكفني في جبتي هذه، فقلت ياحبيبي ولم لا أكفنك في ثياب جديدة، فقال لي الحي أحوج إلى الجديد من الميت الثياب تبلى والعمل يبقى وخذ هذا المصحف والخاتم إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، ثم خرجت روحه رضي الله تعالى عنه.
فذهب أبو عامر إلى بغداد وانتظر خروج أمير المؤمنين هارون الرشيد من قصره فقال له بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمير المؤمنين إلا ماوقفت لي قليلاً، ودفع إليه بالمصحف والخاتم وأخبره بموت ولده الغريب فنكس رأسه وأسبل دمعته، ثم قال له أنت غسلته بيدك فقال أبو عامر نعم فقال هات يدك فأخذها ووضعها على صدره وهو يقول بأبي كيف كفنت العزيز الغريب؟ ثم أنشأ يقول :
يا غريبًا عليه قلبي يذوب *** ولعيني عليه دمـع سكوب
يابعيد المكان حزني قريب *** كدر الموت كل عيشٍ يطيب
قال ثم تجهز وخرج إلى البصرة وأنا معه حتى انتهى إلى القبر فلما رآه غشي عليه فلما أفاق أنشد هذه الأبيات :
ياغائبًا لا يئوب من سفره *** عاجــله موته على صغره
ياقرة العين كنت لي أنسا *** في طول ليلي نعم وفي قصره
شربت كأسًا أبوك شاربها *** لا بـد من شربها على كبره
أشربها والأنــام كلهم *** من كان من بدوه ومن حضره
فالحمد للهِ لا شريك له *** قد كان هذا القضاء من قدره
قال أبوعامر :فلما كان تلك الليلة قضيت وردي ونمت فرأيت في المنام قبّة من نور عليها سحاب من نور وإذا قد كشف السحاب فإذا الغلام ينادي يا أبا عامر جزاك الله عني خيرًا فقلت ياولدي إلى ماذا صرت؟ قال إلى رب كريم، أعطاني ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فانظروا رحمكم الله إلى هذا الشاب الذي عاش غريبًا ومات غريبًا مع ما كان عند أبيه من المال والقصور ومع ذلك زهد في الدنيا وأقبل على الآخرة أما اليوم وللأسف كثير من الشباب تأثروا بعادات ليست من عادات المسلمين ينتظرون ما يسمى بعيد العشاق أو ( فالانتاين) ويشغلون فكرهم بالورد الأحمر وبالمواعيد التي قد يحصل فيها ما يحصل من الحرام والعياذ بالله، فاحفظ نفسك وأهلك ممّا حرّم الله.
اللهم إناّ نسألك حُسنَ الحال وحسن الختام يارب العالمين .
ولا تنسوا ذكر الله