و الأن الجزء الثالث :
قول المؤذن: اشهد ان عليا ولي الله , وحي على خير العمل:
وقد سئل سماحه الشيخ ابن باز سؤالا هذا نصه : ما حكم الله ورسوله في قول يقولون في الاذان: اشهد ان عليا ولي الله وحي على خير العمل.؟
الجواب: " قد بين الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الفاظ الاذان والاقامه , وقد رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري في النوم الاذان فعرضه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " انها رؤيا حق" وأمره ان يلقيه على بلال لكونه اندى صوتا منه ليؤذن به , فكان بلال يؤذن بذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل ,و لم يكن في اذانه شيئ من الالفاظ المذكوره في السؤال , وهكذا عبد الله بن ام مكتوم , كان يؤذّن للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض الاوقات , لم يكن في اذانه شيئ من تلك الالفاظ.
واحاديث اذان بلال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابته في "الصحيحين" وغيرهما من كتب اهل السنه , وهكذا اذان ابي محذوره بمكه , ليس فيه شيئ من هذه الالفاظ , والفاظ اذانه ثابته في " صحيح مسلم" وغيره من كتب اهل السنه .
وبذلك يعلم ان ذكر هذه الالفاظ في الاذان بدعه يجب تركها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اما بعد فاٍن خير الحديث كتاب الله , وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الامور محدثاتها , وكل بدعه ضلاله" . وقد درج خلفاؤه الراشدون ومنهم علي رضي الله عنه وكذا بقيه الصحابه رضي الله عنهم اجمعين على ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفه الاذان , ولم يحدثوا هذه الالفاظ.
وقد اقام علي رضي الله عنه في الكوفه وهو امير المؤمنين قريبا من خمس سنين , كان يؤذّن بين يديه بأذان بلال رضي الله عنه ولو كانت هذه الالفاظ المذكوره في السؤال مشروعه ذكرها في الاذان لم يخف عليه ذلك , لكونه رضي الله عنه من أعلم الصحابه بسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته.
واما ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه وعن ابيه : انهما كانا يقولان في الاذان " حي على خير العمل" فهذا في صحته عنهما نظر, وان صححه بعض اهل العلم عنهما , ولكن ما قد علم من علمهما وفقههما في الدين يوجب التوقف عن القول بصحه ذلك عنهما , لان مثلهما لا يخفى عليه اذان بلال ولا اذان ابي محذوره وابن عمر قد سمع ذلك وحضره , وعلي بن الحسين رحمه الله من افقه الناس , فلا ينبغي ان يظن بهما ان يخالفا سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاذان.
ولو فرضنا صحه ذلك عنهما فهو موقوف عليهما , ولا يجوز ان تعارض السنه الصحيحه باقوالهما , ولا اقوال غيرهما , لان السنه هي الحاكمه مع كتاب الله العزيز على جميع الناس , كما قال الله عز وجل: ( يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيئ فردوه الى الله والرسول اٍن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر) [النساء/59].
قد رددنا هذا اللفظ المنقول عنهما وهو زياده " حي على خير العمل" في الاذان الى السنه , فلم نجدها فيما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفاظ الاذان.
واما قول العلي بن الحسين فيما روي عنه : انها في الاذان الاول بهذا يحتمل انه اراد به الاذان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم اول ما شرع , فاٍن كان اراد ذلك فقد نسخ بما استقر عليه الامر في حياه النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها من الفاظ اذان بلال وابن ام مكتوم وابي محذوره وليس فيها هذا اللفظ ولا غيره من الالفاظ المذكوره في السؤال , ثم يقال: اٍن القول : بأن هذه الجمله موجوده في الاذان الاول اذا حملناه على الاذان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسلّم به , لان الفاظ الاذان من حين شرع محفوظه في الاحاديث الصحيحه , ليس فيها هذه الجمله..فعلم بطلانها وانها بدعه , ثم يقال ايضا: علي بن الحسين من جمله التابعين فخبره هذا لو صرح فيه بالرفع فهو في حكم المرسل , والمرسل ليس بحجه عند جماهير اهل العلم.
كما نقل ذلك عنهم الامام ابو عمر بن عبد البر في" كتاب التمهيد " هذا لو لم يوجد في السنه الصحيحه ما يخالفه , فكيف وقد وجد في الاحاديث الصحيحه الوارده في صفه الاذان ما يدل على هذا المرسل وعدم اعتباره ؟ والله الموفق".
قال شيخ الاسلام ابن تيميه: " كما يعلم ان " حي على خير العمل" لم يكن من الاذان الراتب , وانما فعله بعض الصحابه لعارض تحريضا على الصلاه , فهذا اوسط الاقوال".
قال البيهقي بعد ان اورد روايتي ابن عمر وعلي بن الحسين رضي الله عنهم قال : " وهذه اللفظه لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علّم بلالا وابا محذوره , نحن نكره الزياده فيه وبالله التوفيق ".
ولفضيله الشيخ ابي حاتم اسامه القوصي بحث نافع مفيد في الاذان : وفي نهايه بحثه جمله الاحاديث التي حوت هذا اللفظ " حي على خير العمل" , وحكم عليها حسبما ظهر له من القواعد الحديثيه , فظهرت هذه الاحاديث كلها موضوعه.
ويبقى الكلام على اثر ابن عمر : جاءت بعض الروايات مفسره انه قال ذلك في السفر فقط , لكن على فرض ثبوته عنه , فهو موقوف عليه والسنه ليس فيها هذا اللفظ , والحجه في صحيح سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الاذان جهرا:
ومن اخطاء المؤذنين : قول احدهم بعد الاذان " وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" جهرا , فيظن من يسمع ذلك ان الصلاه والسلام على رسول الله بعد الاذان من متبوعات الاذان , فيظن من لا علم عنده ان الاذان لا يصح الا بها.
وفي الحقيقه: ان هذا الامر قد انتشر وعمت به البلوى , فنسأل الله ان يرد هؤلاء الى السنه ردا جميلا , والسنه في ذلك ان يصلي الشخص ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكن سرا في نفسه لا يجهر بها , اما من جهر بها فكما قال الحافظ ابن حجر : " الاصل سنه , والكيفيه بدعه".
وقد ذكر الشيخ على محفوظ كلاما فحواه: " ان اول هذا الامر هو محتسب القاهره ويدعى نجم الدين محمد الطبندي , والذي حمله على ذلك ان احد المشعوذين اصطنع واختلق ولفق رؤيه مناميه , وادعى فيها انه راى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال له : اذهب الى المحتسب وقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل اذان قولهم الصلاه والسلام عليك يا رسول الله , كما يفعل في كل ليالي الجمع".
ثم قال رحمه الله : " وتمت هذه البدعه , واستمرت الى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام , وصارت عامه واهل الجهاله ترى ان ذلك من جمله الاذان الذي لا يحل تركه".
ثم قال رحمه الله: " فنقول لا كلام في ان الصلاه والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الاذان مطلوبان شرعا لورود الاحاديث الصحيحه بطلبهما من كل من سمع الاذان , لا فرق بين مؤذن وغيره , كما في " صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو ابن العاص , انه سمع النبي يقول : " اذا سمعتم الاذان فقولوا مثل ما يقول , ثم صلوا علي فاٍن من صلى علي صلاه صلى الله عليه بها عشرا.." [مسلم]
لكن لا مع الجهر , بل بأن يسمع نفسه او من كان قريبا منه , انما الخلاف في الجهر بهما على الكيفيه المعروفه , والصواب انها بدعه مذمومه بهذه الكيفيه التي جرت بها عاده المؤذنين من رفع الصوت بهما كالاذان , والتمطيط , والتغني فاٍن ذلك احداث شعار ديني على خلاف ما عهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه , والسلف الصالح من ائمه المسلمين ..ومن العجب انهم يفعلون هذا بقصد التقرب اليه تعالى , وقد ثبت بالنقل الصحيح الصريح , انه لا يقرّب الى الله تعالى الا العمل بما شرع , وعلى الوجه الذي شرع ".
قال الشيخ ناصر الدين الالباني رحمه الله : " الاذان الذي شرع بوحي من السماء , وانه يبدأ بالتكبير وينتهي بالتهليل فقد زيد فيه زيادات كثيره , وتختلف هذه الزيادات باختلاف البلاد , فبعضهم يزيد بين يدي الاذان , وبعضهم يزيد في اخر الاذان الصلاه على النبي صلى الله عليه وسلم , فاذا ما نوقشوا استدلوا بقوله تعالى : ( اٍن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ).
هذا استدلال صحيح من القرآن بالنظر الى عموم وشمول الآيه لكل لكل زمان , ولكل مكان , فبماذا يرد اهل السنه على هؤلاء , ولو كان هذا امرا داخلا في النص القرآني , وفي نصوص اخرى من السنه , كقوله صلى الله عليه وسلم : " من صلى علي مره صلى الله عليه بها عشرا " لجرى على ذلك عمل السلف الصالح , لانهم هم اعلم بدلالات النصوص من الكتاب والسنه , وثانيا هم احرص منا على طاعه الله وعبادته , والازدياد من ذلك لديهم , فاذا لم يفعلوا دل هذا على ان هذه الجزئيه لا تدخل في هذه الادله العامه ".
قلت : واما عن الرؤيا المناميه التي اصطنعها هذا المشعوذ , وانخدع المحتسب بها ونفذها فورا , فهذا كلام لا يصدر من اولي الالباب , لاننا لا نأخذ ديننا من المنامات , ولله در الصحابيه التي زارها ابو بكر وعمر رضي الله عنهما بعد وفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبكت , فلما سئلت عن سبب بكائها فقالت : ما ابكي ان لا اكون اعلم ان ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكن ابكي ان الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها " .
وسئل شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله : عن الصلاه على النبي صلى الله عليه وسلم هل الافضل فيها سرا ام جهرا ؟ فأجاب: " الصلاه عليه هي دعاء من الادعيه ...والسنه في الدعاء كله المخافته اٍلا ان يكون هناك سبب يشرع له الجهر , قال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفيه اٍنه لا يحب المعتدين ) [الاعراف/55]
وقال تعالى عن زكريا : ( اٍذ نادى ربه نداءا خفيا ) [مريم/3].
ثم قال: " واما رفع الصوت بالصلاه او الرضى الذي يفعله بعض المؤذنين قدّام بعض الخطباء في الجمع , فهذا مكروه او محرم باتفاق الامه , لكن منهم من يقول : يصلى عليه سرا , ومنهم من يقول : يسكت والله اعلم " انتهى مختصرا.
سئل الشيخ ابن باز : بعض المؤذنين في بعض البلدان الاسلاميه يقولون بعد الاذان : اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين , فهل في ذلك شيئ؟ افيدوني؟
فأجاب : " هذا المقام فيه تفصيل فاٍن كان المؤذن يقول ذلك , بخفض صوت فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اٍذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول , ثم صلوا علي فاٍن من صلى علي صلاه صلى الله عليه بها عشرا..." اما اذا كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالاذان , فذلك بدعه , لانه يوهم انه من الاذان والزياده لا تجوز , لأن اخر الاذان كلمه " لا اله الا الله " فلا يجوز الزياده على ذلك , ولو كان خيرا لسبق اليه السلف الصالح , بل لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم امته وشرعه لهم" انتهى مختصرا.
قول بعضهم ( الله اكبر والعزه لله ) :
ومن الاخطاء ان يقول الناس عند قول المؤذن : "الله اكبر الله اكبر " " الله اكبر والعزه لله " , او " الله اكبر على كل من ظلمنا " او " الله اكبر على كل من طغى وتكبر" , وهذا كله فيه نوع من المخالفه , والصواب ان نقول مثل ما يقول المؤذن "الله اكبر الله اكبر" .
قال الشقيري: " وقولهم عند سماع تكبير الاذان : الله اعظم والعزه لله او الله اكبر على كل من ظلمنا , او الله اكبر على اولاد الحرام بدعه وجهل , والسنه ان نقول كما يقول المؤذن ثم نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ".