بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده وستعينه وستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له
واشهد آن لا اله إلا الله وان محمد عبده ورسوله ، أما بعد ،،
أبكوا مع الرسول
ابكِوا اخوانى واخواتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعقبة بن عامر وقد قال له يا رسول الله ما النجاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ( املك أو امسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ) .
ابكوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ( سبعة يظلهم الله تبارك وتعالى بظله يوم لا ظل الا ظله .... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ..
ابكوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ( حُرِّمت النار على عينينٍ دمعت او بكت من خشية الله) .
ابكوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ( حُرِّم على عينين ان تنالهما النار : عين بكت من خشية الله عز وجل وعينٌ باتت تحرس الاسلام واهله من الكفر ) .
ابكوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ( لا يبكي عبد فتقطر عيناه من خشية الله فيدخله الله النار ابدا حتى يعود قطر السماء اليها ) .
انها جملة مشاهد ومواقف تعامل معها صاحب القلب اللطيف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واذا بها تترجم الى عبرات وزفرات تبعث من صدر مكلوم ومن عينين هاطلتين ، فمن اجل ان يتحقق املنا ورجاؤنا بالوصال والصحبة مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
تعالوا نقف على ما ابكى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مصعب بن عمير
من الرفاهية الى الرِّقاع
قال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه : جئت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست اليه في المسجد وهو مع عصابة من اصحابه فطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة بفروة وكان أنْعم غلام بمكة وارفهه عيشاً ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ما كان فيه من النعيم ورأى حاله التي هو عليها ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم فبكى .
مصعب بن عمير رضي الله عنه سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم الاول الى المدينة ذلك الشاب اللطيف الرقيق صاحب الصوت الملائكي الذي نشأ عند أم كانت قد اخذت على نفسها عهداً ان لا تلبسه كما يلبس اقرانه فكانت تأتي له بالثياب من اليمن وغيرها وكانت تشتري له طيبا لا يتطيب به احد غيره حتى اذا كان مرّ في السوق ولم يُرَ ولكن كان يُشم الطيب الذي يتطيب به فكان يقول الناس لعل مصعب بن عمير مر من هنا .
هذا الشاب الذي هجر النعيم ورغد العيش وثراء الام وانفاقها عليه بغير عد ولا حساب وآثر ما عند الله وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا سببا لأن تُحرمه امه من ذلك الرغد كله حتى يصبح لا يلبس الا الثياب المرقعة ان مشهد الايمان هذا والصدق والوفاء والسعي الى رضوان الله رآه عليه الصلاة والسلام في مصعب بن عمير فبكى لأجله عليه الصلاة والسلام متأثرا ومنفعلا وهو بكاء الرحمة والرقة .
(2)
اقرأ يا ابن مسعود
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال . قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقرأ عليّ القرآن » فقلت : يا رسول الله اقرأ عليك وعليك أُنزل ؟! فقال صلى الله عليه وسلم : نعم فاني احب ان اسمعه من غيري ، قال ابن مسعود فافتتحت سورة النساء فقرأت عليه فلما بلغت { فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [آية:41 النساء ] فاذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان ، وفي رواية اخرى : فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لحياه أي فكاه فقال : « اي رب شهدت على من انا بين ظهريه فكيف بمن لم ار » ، يتمعن بثقل الامانة التي حملها عليه الصلاة والسلام ، انها امانة الشهادة ليس على امته بل على كل الخلق يوم القيامة ، لا بل ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام يأتون يوم القيامة وقد انكر اقوامهم من الكافرين انهم قد بلغوهم ، واذا بهم اي الانبياء يقولون لرب العزة سبحانه وقد سألهم من يشهد لك فيقولون « يا رب محمد وأمة محمد » .
ذرفت وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسمع هذه الآيات من القرآن التي لو نزلت على جبل لخشع وتصدع { لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } ، فكيف لا يخشع قلب ولا تبكي عين الطف الخلق وأرقهم وأتقاهم محمد صلى الله عليه وسلم فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل هكذا نحن وانتم ممن يتفاعلون مع كتاب الله فتقشعر جلودنا وتبكي عيوننا من خشية الله ، ما اصدقها من مواقف وما اجملها من لوحات تلك التي ترسمها دموع العين على الوجنات والخدود تنهمر من خشية الله قال صلى الله عليه وسلم ( ليس شيء احب الى الله من قطرتين وأثرين ، قطرة دموع من خشية الله وقطرة دم تراق في سبيل الله واما الاثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله).
(3)
أُمتي أُمتي
عن عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تبارك وتعالى في ابراهيم { رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم } [سورة ابراهيم : آية 63] وقول عيسى عليه السلام { ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم } [سورة المائدة آية :118] فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال ( اللهم امتي امتي ! ) وبكى فقال الله عز وجل « يا جبريل اذهب الى محمد وربك اعلم فسله ما يبكيك ؟» فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو اعلم فقال : « يا جبريل اذهب الى محمد فقل : انا سنرضيك في امتك ولا نسوؤك » . عليه الصلاة السلام
انه محمد صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين ، انه الذي يبكي وهو يردد ما قاله اخواه ابراهيم وعيسى عليهما السلام في اقوامهما وهما يردان امر من عصى وكفر من اقوامهم الى الله تعالى الغفور الرحيم وانه هو صلى الله عليه وسلم الذي هاجت نفسه وهو يردد تلك الآيات وتدفقت من داخله معاني ومشاعر الرحمة والحنان بأمته على شكل بكاء ورفع يدين الى السماء لبيان حاله يقول ويردد
« اللهم امتي اللهم امتي » .
اي قلب يحمله في صدره وبين أضلعه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي يبكي جزعاً وحزناً على امته يوم القيامة من ان يكونوا من اهل النار فكانت دمعات رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاؤه الذي اهتز له عرش الرحمن سبحانه لينال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكون صاحب الشفاعة يوم القيامة.
ما اصدقه من قلب وما اسخاها من عين وما ارقها من مشاعر وما اعذبه من لسان اجتمعت هذه كلها في شخص حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فهل بعد هذا كله لا تبكي عيوننا نحن رجاءاً ودعاءاً لله بأن لا يفرق يوم القيامة بيننا وبين هذا الحبيب فيا الله يا الله منك يوم القيامة رحمة ومغفرة ومن حبيبك وحبيبنا محمد شفاعة .
افلا اكون عبدا شكوراً
عن عطاء بن ابي رباح قال : دخلت انا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال لها عبيد بن عمير : حدثينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فبكت عائشة ثم قالت : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي فقال : « يا عائشة ذريني اتعبد لربي قالت : فقلت والله اني لاحب قربك واحب ما يسرك قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى ، فلم يزل يبكي حتى بل الارض وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم افلا اكون عبدا شكوراً؟! لقد نزلت عليّ الليلة آيات ، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها . { إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأُولي الألباب } . [ الآيات 190-آل عمران] .
انه الحبيب الهادي صلى الله عليه وسلم يبكي حتى يبلل بالدموع ثيابه وهو قائم يصلي بين يدي رب العزة سبحانه ولعل محاولة بلال رضي الله عنه من التهوين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطمينه بأن البكاء لا حاجة له والخوف لا مبرر له وهو الذي قد غفر له ربه سبحانه ما تقدم عن الذنب وما تأخر فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نشكر الله سبحانه الذي غفر يكون بزيادة القربات والطاعات اليه سبحانه والوقوف والتذلل بين يديه .
ما اروعها ترانيم السحر ، زفرات ودعاء لله في عتمات الليل فيها يناجي الحبيب حبيبه فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : « ما من ليلة يجن ظلامها ، وتهجع العيون فيها الا نادي الجليل جلَّ جلاله ، من اعظم مني جوداً وكرماً ؟ عبادي يعصونني وانا احفظهم في مضاجعهم كأنهم لم يذنبوا اجود على العاصي واتفضل على المسيء وانا ذو الفضل ومني الفضل وانا الجواد ومني الجود ، وانا الكريم ومني الكرم فأين تذهبون عبادي عن بابي ؟ ان دعاني العاصي اجبته وان سألني اعطيته وان هرب مني ادنيته وانا عند ظن عبدي بي ولا اعاجل العبد بالعقوبة وان عصى وان عصى ) ، فيا اخي الحبيب ابك مع الحبيب محمد شوقاً للقاء الحبيب الاعظم الله جل جلاله .
ارتجت المدينة بالبكاء
عن ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : بينما نحن مجتمعون نبكي يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم ننم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا ونحن نسكن لرؤيته على السرير اذ سمعنا صوت الكرازين «اي الحفارين يضربون بالفؤوس» في السحر ، قالت ام سلمة فصحنا وصاح اهل المسجد ، فارتجت المدينة صيحة واحدة ، وأذن بلال بالفجر ، فلما قال بلال في الآذان : أشهد ان محمداً رسول الله بكى فانتحب فزادنا حزناً وانتحب الناس في المسجد.
ثم ان بلالا لم يؤذن بعدها لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج الى الشام واقام بها ، فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي اله عنه زار بلال المدينة وأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمها ويقبلهما فقالا له : يا بلال : نشتهي ان نسمع آذانك ففعل وعلا السطح ووقف فلما أن قال الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة فلما ان قال اشهد ان لا اله الا الله ازداد رجتها فلما ان قال اشهد ان محمدا رسول الله خرجت العوائق من خدورهن ، وقالوا بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رؤي اكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم .
ها هو الوفاء بأجلى صوره يظهر في بكاء بلال رضي الله عنه كلما تلفظ ونطق لسانه باسم حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، انه الذي كان يقطع الاذان ولا يستطيع ان يكمله كلما مر اسم حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم فيبكي هو ويبكي معه كل من سمعه من اهل المدينة .
فهل ترانا اليوم ايها المسلمون والمسلمات ونحن نزعم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم نبكي اذا ذكر رسول الله وتخشع جوارحنا وتقشعر جلودنا اذا ذكر الله سبحانه { انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون } [آيه:2 سورة الانفال]
من الناس من يبكي على ضياع دنيا ومن الناس من يبكي على فوات فرصة المغنم أو وظيفة ومن الناس من يبكي على فراق حبيب ومن الناس من يبكي وهو يتأوه شوقاً للقاء من هام بها قلبه او من هام به قلبها ولعلنا نعذر هؤلاء ولكنه لا عذر ابداً لمن بكى لكل ذاك ولا يبكي لما بكى له ومنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجودي يا عين بالدمع وانفطر يا كبد شوقاً للقاء اغلى الغوالي.
منقول
اللهم صلي علي سيدنا محمد وعلي أل سيدنا محمد كما صليت علي سيدنا أبراهيم وعلي أل سيدنا أبراهيم وبارك اللهم علي سيدنا محمد وعلي أل سيدنا محمد كما باركت علي سيدنا ابراهيم وعلي أل سيدنا ابراهيم انك حميد مجيد
اللهم أرزقنا شفاعة حبيبك المصطفي
ولا تنسوا ذكر الله
الرئيسية 
التسجيل 
دخول 
