عبد الله بن مسعود
أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما نزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)
[محمد رسول الله]
كان يومئذ غلاما يافعا لم يجاوز الحلم، وكان يسرح في شعاب مكة بعيدا عن الناس، ومعه غنم يرعاها لسيد من سادات قريش هو عقبة بن أبي معيط.
كان الناس ينادونه: (ابن أم عبد) أما اسمه فهو عبد الله، وأما اسم أبيه فمسعود.
كان الغلام يسمع بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم الذي ظهر في قومه فلا يأبه لها لصغر سنه من جهة، ولبعده عن المجتمع المكي من جهة أخرى، فقد دأب على أن يخرج بغنم عقبة منذ البكور ثم لا يعود بها إلا إذا أقبل الليل.
وفي ذات يوم أبصر الغلام المكي عبد الله بن مسعود كهلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد، وقد أخذ الجهد منهما كل مأخذ، واشتد عليهما الظمأ حتى جفت منهما الشفاه والحلوق.
فلما وقفا عليه سلما وقالا:
يا غلام احلب لنا من هذه الشياه ما نطفئ به ظمأنا ، ونبل عروقنا.
فقال الغلام لا أفعل، فالغنم ليست لي، وأنا عليها مؤتمن...
فلم ينكر الرجلان قوله، وبدا على وجهيهما الرضا عنه.
ثم قال له أحدهما:
دلني على شاة لم ينز عليها فحل، فأشار الغلام إلى شاة صغيرة قريبة منه، فتقدم منها الرجل واعتقلها، وجعل يمسح ضرعها بيده وهو يذكر عليها اسم الله، فنظر إليه الغلام، وقال في نفسه:
ومتى كانت الشياه الصغيرة التي لم تنز عليها الفحول تدر لبنا؟!.
لكن ضرع الشاة ما لبث أن انتفخ، وطفق اللبن ينبثق منه ثرا غزيرا.فأخذ الرجل الآخر حجرا مجوفا من الأرض ، وملأه باللبن،وشرب منه هو وصاحبه، ثم سقياني معهما، وأنا لا أكاد أصدق ما أرى ....
فلما ارتوينا، قال الرجل المبارك لضرع الشاة:
انقبض ...فمازال ينقبض حتى عاد إلى ما كان عليه.
عند ذلك قلت للرجل المبارك: علمني من هذا القول الذي قلته.
فقال لي : إنك غلام معلم.
كانت هذه بداية قصة عبد الله بن مسعود مع الإسلام...
إذ لم يكن الرجل المبارك إلا رسول الله صلوات الله عليه، ولم يكن صاحبه إلا الصديق رضي الله عنه.
فقد نفرا في ذلك اليوم إلى شعاب مكة، لفرط ما أرهقتهما قريش، ولشدة ما أنزلت بهما من بلاء.
وكما أحب الغلام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وتعلق بهما ، فقد أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بالغلام وأكبرا أمانته وحزمه، وتوسما فيه الخير.
لم يمض غير قليل حتى أسلم عبد الله بن مسعود وعرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه، فوضعه الرسول صلوات الله عليه في خدمته.
ومنذ ذلك اليوم انتقل الغلام المحظوظ عبد الله بن مسعود من رعاية الغنم إلى خدمة سيد الخلق والأمم.
وفي الختام صلوا على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-